مهلاً… أيها الضجيج الكوني

د.خليل فاضل مقال جديد في صحيفة المصري اليوم
إن ذلك التضاد المزعج.. صمت في كل مكان تقريبًا، وضجيج عالى النبرة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى عبر الكون كله، يخلق هذا التضاد تشوشًا وقلقًا.

هل كان هذا التباعد الاجتماعى فرصة لالتقاط الأنفاس، أمأنه زاد من وطأة الغرق في الموبايل والتليفزيون، ومن ثم بدأ الإنسان يؤنس وحدته، إنها دائرة مفرغة، البيئة المحيطة تلتصق بأجسادنا، تحديدًا بجهازنا المناعى، ومن ثم فإن المخ بكل طاقته لا يشاهد تلك المعركة فحسب.. بل إنه يسهم فيها ويتأثر بها.

يجىء هنا دور الضغط النفسى Stress، فنحن لا نستطيع القول إن الإنسان الذي يعمل من بيته يكون خاليا من ذلك الضغط النفسى، الذي يسببه المرور أو بيئة العمل.. لا إن كثرة الشغل المنوط به من البيت، وهو يجلس وحيدًا أمام الكمبيوتر، قد يكون في حد ذاته ضغطًا أكثر، وذلك بسبب عدم وجود بيئة عمل وسهولة الانشغال بأمور للتسلية.

إن الابتعاد عن هذا الضجيج الكونى بأمر «كورونا» ومصدره وتبادل الاتهامات يتوجب تنشيط الدورة الدموية بأداء تمارين بسيطة أو المشى في الطرقة أو جانب البيت أمر مهم، ركز في يومك على ما يمكنك فعله، وابدأ بالعمل على ذلك، حتى لو كان الأمر بسيطًا مثل قرارك بأن تعد وجبة مختلفة لأفراد عائلتك، لابد من أن تعرض نفسك للشمس، وأن تتحرك في الحدود المتاحة، أن تضحك، وألا تغرق في التفكير، أو أن تهمل الأمر برمته، أن تقرأ، وأن تنام بما يكفى، تستلهم تمرينات للاسترخاء الذهنى والجسدى، تكتشف كل ما هو جديد، وما يمكنك أداؤه بحذر، ولا تقلل من قدراتك، حاول أن تتعلم أمورًا جديدة، مثل مهارات تتعلق بحياتك، أو بعملك أو بتربيتك لأطفالك، أو بزواجك أو بارتباطك.

كان ذلك على المستوى الفردى، أما على المستوى الوطنى فإن العاملين في مجال الصحة من أطباء وممرضات وعمال كانوا مختزلين في العيادة، الروشتة، المستوصف، المستشفى والصيدلية، لم ندقق ولم ننتبه أبدًا إلى أنهم (أبطال) يقومون بدور استثنائى، في زمن استثنائى، وأنهم بعملهم الجليل هذا ليسوا مجرد ناس يعملون في تخصصهم.. لا إن لهم خصوصية إنسانية. أعتقد أن المجتمعات الإنسانية قد اختلفت نظرتها كلية إلى الهيئة الصحية، وأدركت مدى أهميتها، الأمر الثانى الذي واجهناه في مصر، وكان غريبًا علينا إلى حد كبير، هو وصمة العار التي تلحق بمريض كوفيد- 19، حتى وهو ميت؛ فرأينا في أكثر من مكان رفضا للدفن، والخوف والابتعاد، بل الإنكار لأى شخص يعمل في المجال الصحى، كما حدث في الإسماعيلية، إن ردود الفعل تلك لا تعنى إلا الجهل الشديد والأنانية المفرطة، إن الوباء حقًا مقلق ومزعج ومميت، لكن هناك الكثيرون، بل الكثيرون جدًا من الذين أصيبوا به وقد عولجوا وتم شفاؤهم، هؤلاء يجب أن يستمروا في حياتهم العائلية وأعمالهم، دون تمييز أو خوف أو رعب.

في نفس الوقت الذي تحمى فيه نفسك من الإصابة، أنت تحمى أهلك أو زملاءك في العمل.

حاول أن تجرب ما نسميه «التنفيس الانفعالى»، أي أن تكتب أو تسجل ما يدور بذهنك من انزعاج أو قلق أو ملل أو اكتئاب، فأنت الآن لديك فرصة للاختلاء بنفسك، لتعيد حساباتك ولتراجع أمورًا كثيرة كنت قد نسيتها في زحمة انشغالاتك.

اهتم بنفسك، واعتمد على (الأنانية الصحية والصحيحة)، أي أن تحب نفسك، دون أن تجور على حق الآخرين، أن تنتبه لوجودك، تثريه بالقراءة، بالمعرفة، أن تسمع الموسيقى، وأن تضحك من قلبك، وأن تنعش نفسك كل يوم بشىء جديد.

24 ابريل 2020