سيكولوجية القاتل الإرهابى «2-2»

Home / مقالاتي في الصحف المصريه / سيكولوجية القاتل الإرهابى «2-2»
سيكولوجية القاتل الإرهابى «2-2»

سيكولوجية القاتل الإرهابى «2-2»

الخميس 5-09-2013

د:خليل فاضل

الخميس 05-09-2013

فى الجزء الأول شرحنا الجانب النفسى للإرهابى ونستكمل فى هذا الجزء تلك الملامح إن تلك النزعة السادية الدموية تغادر المنطق الإنسانى وتلوكه كالمُضغة فى الفم، ولكن السفاحون الذين جابوا شوارعنا وأحرقوا محالنا ودور عبادتنا، وانتهكوا حرماتنا لم يراعوا القول الكريم (ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى).

إن للموضوع أبعادا حضارية ثقافية ودلالات، من أبرزها السطو على مكتبة الأستاذ هيكل وحرق أجزاء منها فى برقاش، إن هذا العنف الإدمانى أصبحت له أشكال جمعية، تورط فيه الكثيرون وساهمت الصورة الإخبارية – دون أن تدرى – فى مسلسل الترويع.

أصبح الأمر مرضيًا عامًا، فيه عرض واستعراض، ولهٌ وعشقٌ وسحر وغموض يختلط بالصدمة والقرف والفزع والكرب سيلتصق بثنايا الذاكرة، صدمة توصم هذا الجيل إلى الأبد. هنا يربط الإرهابى الدموى العنيف نفسه بالناس من خلال فعلته الشنعاء، ومن خلال تدويرها على دوائر التواصل الاجتماعى من (تويتر – فيس بوك واليوتيوب)، إلى ذلك الجهاز الجهنمى داخل كل بيت (التليفزيون).

لقد أصبنا بجروح عميقة فى الشخصية المصرية البعيدة جدًا فى تركيبتها، عن النموذج العراقى الإيرانى، السورى، الأفغانى، مثلاً… هل لنا أن نفتح العقل الجمعى اللاوعى ونستعرضه: قتلة ومشاهدين؟ هل لنا أن نتريث ونفحص أنفسنا ونحن «يشاهد» و«يسمع» و«نتسمر».

إن تلك الجثث الممزقة، وكل تلك الدماء التى تغرق الأرض، والحوائط ذات الجروح التى لا تندمل، الطعنات التى تنزف، والدم الذى لا يجف، والآلام التى لا تخفت فى ذاكرتنا وسلوكياتنا وشخصياتنا، كلها اختصرت فى ذلك المشهد الدرامى، حين نظر المريض وهو يمسك بروشتته إلى عينى الصيدلى القبطى (معهلش على حرائق الكنايس الـ 22)، ردّ الصيدلى فى حزن وأسى: (الأول سلامتك، يا سيدى، ياما اتحرقلنا كنايس)، ثم أجهش الدكتور فى نوبة بكاء متصلة، أخذه المريض فى حضنه، ربت على ظهره مطمئنًا سائلاً (هاتلى الدوا عشان أروّح قبل حظر التجول).. مضى يمسح دمعات سقطت من عينيه على خدّيه، فارتجف قلبه وتعثرت خطاه، ودّ لو لم يعش تلك اللحظات، ورغم ذلك عندما ناولته زوجته الدواء، قالها لها (عشنا وشُفنا).

إن ما حدث كان تعزية للإنسان المصرى، تماما كشف عورته للعالم وترقب الآخر لنا (العدو قبل الحبيب)، لمشاهدة عوراتنا النفسية وشماتته؛ فالحدث جلل أكبر مما حدث فى 1956 و1967 و1973 أو علـّه امتداد له.

قال الصديق للصديق وهو يهمس له فى هاتفه الجديد (الحروب عمرها ما انتهت فى بلدنا، كأنه سلو بلدنا الغُلب والقهر والعذاب)، إن تلك الأجساد المفتوحة فى معارض القنوات الفضائية، تذكرنا بماضينا الذى انتهكنا فيه من قبل (الجماعات الصهيونية المُسلحة)، يذكرنا مسعد أبو فجر باستخدام الإرهابيين الحاليين لذلك التكنيك الصهيونى (كان المستوطنون الإسرائيليون يستخدمون تكتيكات بسيطة، لترحيل القرى العربية المُقامة على حواف الجبال، برمى برميل من الزلط ودحرجته، مع طلقتين ثلاثة من الرصاص مع صوت سيارة، مما يخيف الآذان العربية وقلبها من احتمال هجوم إسرائيلى زلزالى، فيفرّ معظم أهلها، الآن بيننا من يطبق علينا تكتيكات مشابهة من الإرهاب والترويع، ومجرد صوت الرصاص وإشعال الحريق كفيل ببث الذعر والهلع.

ما يحدث للناس هنا هو الصدمة، الانجراح، ثم دعك الجرح بالملح، أو بماء النار أو بفتحه وتعميقه أو بتلويثه، فتصبح ثقافتنا هى ثقافة الرصاص والآلى والخرطوش والمولوتوف وقناع الغاز والقنابل المسيلة للدموع، تعيد الصدمة نفسها من خلال (فلاش باك) فتُعاش مرة ومرات، ويقع كثيرون أسرى لحالة من التبلّد أو التعود أو استمرار الخوف والأنين، فلا يستعذبون أى شىء ليست له رائحة رصاص أو دخان وليس له صوت انفجارات، هذا هو القتل المعنوى بعينه، سلب حياتك العادية وإيقاعك فى حفرة من الرُعب لنستمر جميعًا فى مشاهدة مسلسل الخوف.

kmfadel@gmail.com