من ذا الذي ينفجر في نفسه وفى الناس ؟
الأربعاء 5-01-2011
الدكتور خليل فاضل
المصري اليوم ـ الأربعاء 5 يناير 2011
غالباً أنه شاب على مشارف العشرين يتمنى الموت وأراد أن يموت مجهولاً ويكون حديث الدنيا، مغسول المخ بإرادته، عاش وترعرع في ظل متناقضات الوطن، قد يكون إرهابياً عابراً مرة واحدة، خططت لها جماعة بإحكام محددة المكان، الزمان، التاريخ، الثغرات الأمنية، نقاط الضعف، عاش وسط احتقان انسانى سياسي اجتماعي طاحن فيه نمو، وتنعدم فيه تنمية البني آدم، وجوده حياته، بصرف النظر عن قدرته على شراء موبايل أو تكييف، أو عنده قمامة كثيرة كما يدعى المسئولون الأعزاء.
يصطاد الولد، الشاب الصغير، مُدرِّب يجد في هذا (القنبلة الموقوتة) هوية ذات شخصية مضطربة تبحث عن “عنصر” خارجي، يتكون في العقل الباطن قبل التفجير، فتنتفخ أوداجه وتتورم الأنا لديه ويعيش العيشة (كبطل مفترض) رايح للجنة على جثث البسطاء ؟!
غالباً انه ينتمي لخلية محدودة تؤمن بتعصب معصوب العينين بشيء ما، في وقت ما، كاحب صفحة الفيسبوك التي تأسست فى ٢٩ ديسمبر الماضى، وأعلن صاحبها أنه ينوى الانتحار فى رأس السنة يوم ٣١، وقال: (مش لاقى شغل كويس ولا مرتب كويس ولا عارف أتجوز، ومش عارف أعمل إيه، أنا قررت خلاص أموت وأرتاح وأقدمت على هذه الفعلة ليأسى الكامل من الحياة الكريمة). وبصرف النظر عن علاقة هذا الشخص بانفجار الاسكندرية من عدمه فإن للأمر دلالات قوية لا يمكن تجاهلها.
يتوحد الجاني مع جماعة صغيرة وحهاً لوجه أو على النِت، فتعطيه القوة والقيمة، تدخل إليه من شروخه النفسية، حياته القصيرة، منغصاته، تركبيته السيكولوجية لا تتفق مع ما سيقوم به، بمعنى أنه قد يكون جباناً ساذجاً خالي الذهن معدوم الثقافة، فى قلبه من زمان تمنى الموت بأي شكل، لا بالانتحار بجرعة زائدة من الحبوب، يتمنى البطولة والجنة، يقتل نفسه والناس (الأعداء)، يجرح الدولة ويفجر الوطن ويبلغ الحكومة رسالة شديدة اللهجة، يعطيها على قفاها بغِلّْ وعنف وهمجية.
المصيبة ليست فيه ولا فيما حدث ولكن في الوسط المتعاطف معه، تلك الجماعة أو الجماعات حول العالم التي ترى فيه بطلاً حمل لواء الجماعة وحقق هدفها بشجاعة.
ومع تفسخ لـُحمة المجتمع وتوتره، وانخفاض تكافؤ الفرص أو انعدامه، مع المحسوبية والفساد والرشوة والوظائف المُسّعرة بدءاً من عشرون ألفا إلى خمسين ألف للبترول والاتصالات والخارجية مثلاً.
نعم الإرهاب يضرب في كل مكان وفى كل الدول، لكنه يدوى ويزيد احساس النقمة في البلاد التي ينعدم فيها العدل والعدالة والرعاية الاجتماعية.
إن قوة النقمة وإخراج الكبت ليست في أحوالها العادية ـ بالطبع ـ انفجاراً في النفس والوطن، لكنه بدوافع سياسية لمصلحة أعدائنا التقليديين ولمصلحة كل من يريد إزهاق روح مصر، بالطبع هؤلاء الدبب الذين يتشدقون بحب مصر ليل نهار وهم يقتلونها بهيمنتهم وأنانيتهم واستحواذهم الفظيع على المال والسلطة وحياة الناس.
وليس بالضرورة أن تكون أي قوى خارجية أداة مباشرة للفعل، لكنها تتحد وتستغل القوى الداخلية والعناصر المجنونة، من جراء الغلاء والإقصاء والإلهاء لكي تُيّسر وتُسّهل وتُمهِّد وتؤدى إلى بؤرة عنف شديدة تزعزع الجدار.
ليس على من يخطط صعباً أن يجد شاباً محبطاً يتمنى الموت معتقداً أنه (شهادة)، في ظل غياب الديمقراطية واستيلاء الحزب الواحد على مُقدرات الحياة في مصر، والتمييز الديني في أماكن ووظائف، وعقب سلسلة أحداث وجرائم عنف لا تنتهي، ربما بدأت باغتيال السادات ولم تنته بعد، نواتها من يموتون على شطلآن أوروبا في أطار مغامرات الهجرة غير الشرعية، أو يتسكعون في الطرقات بحثاً عن عمل لائق، وعما يسد الرمق في مجتمع شديد الاستهلاك، شديد التناقض في أموره الدينية والطبقية.
غالبا أن مفجر نفسه والناس متعلم يائس إلى حد القنوط، لأن مفهوم الشهادة الانتحارية نادر في العقلية المصرية بتكوينها النفسي وتاريخها مع العنف.
أنا لا ابحث عن مبررات لمنفذ العملية، لكن أحاول تقصى الأسباب ورسم ملامح شخصيته، لا بد وان يكون تأثر بالفكر (الجهادي) بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق التواصل عبر الانترنت، ولابد أن يكون قد أحس بأنه مجرد بنى آدم (يعيش) يأكل ينام يتصفح النت ويدخل الحمام، بلا الحد الأدنى من الكرامة والإحساس بالأمان، ومن ثم فلقد قرر بشكل قاطع أن تكون ضربته في سويداء القلب، تنقل في عملية (تكوين عكسي) كل هذا الإحساس الفردي القاتل بعدم الأمان إلى شعب بأكمله؛ فيتخلص منه بالموت و(اعتقاد الشهادة وحلم الجنة)، ويبثه في قلوب الناس جميعاً، وأيضا يُحرج السلطة أيّما إحراج ويجعلها تقف على أطراف أصابعها وتمشى على قشر بيض، تتحسس مكانها (أمنياً) فلا نجد أي تصور لحل بعيداً عن (الأمنى) وفى هذا خطأ جسيم، لكن على ما يبدو أن كثير من المسئولين يعون أهمية المجتمع المدني، ويعتقدون أن السلامة في إحكام القبضة دون الانتباه لذلك الانكسار وتلك المذلة في عيون المحشورون في المواصلات العامة، والواقفون في طوابير الغذاء، والمحرومون من الحق العام في الهواء النقي والغذاء السليم، والوظيفة، والسكن والزواج والعلاج.
إن كل مجهودات الحكومة في خدماتها المختلفة لا يحس بها الناس ألا لماماً، ولا يدركون سوى تلك النرجسية القبيحة وتلك الرائحة النتنة المنتشرة مع رائحة الموت والدم .
نلاحظ أن تعاطي الدولة ينحصر حتى الآن في التعامل الأمني المُجرد، يأخذ شكل رد فعل لكل فعل بشع بمعنى أننا صرنا دولة يقودها الحدث فلا تخطيط ولا تدابير ولا وقاية، وكل فعل هو عصبي وغير مدروس لأنه مجروح بشدة الأزمة.
تنتشر العربات المصفحة الضخمة، رجال الأمن المركزي، الدروع والتفتيش الأحمق والعصبي في الكمائن، كل هذا ـ غالباً – بعد فوات الأوان، ثم تعود ريما لعادتها القديمة لتسترخي وتتأنتخ ويبوس البابا شيخ الأزهر الذي يبوسه أيضاً، وتنطلق الأغاني في حب مصر المُفتتة المُنهكة، وسط إشارات إعلامية بأن ما حدث لم يكن سوى أمر عارض ارتكبته (القاعدة).. الى أن نفاجأ بعملية أدهى وضربة أمرّ وأقسى مما سبقها كما حدث في طابا وشرم الشيخ ونجع حمادي !
هذا التهوين من أهمية ما نحن فيه لا يفيد الناس في برّ مصر، إن أي إجراءات للتعديل في قيادات الأمن في الاسكندرية ما هو إلا دليل على قوة المناهضين للحكم، وقدرتهم على كسر نِفس النظام مما يؤثر في صلب المعادلة السياسية له ولتركيبته الحزبية وخططه للإستئثار بالسلطة والثروة والناس.