مقال جديد للدكتور خليل فاضل في صحيفة المصري اليوم بتاريخ 20 مارس 2020
كم أنت هش يا أيها الكون، ترسانات نووية، كرة قدم بكل جنونها، بارات، حارات، عمارات، ناطحات سحاب، تساوت كلها.. في نفس الحين أصبح البسطاء الأكثر راحة، ففى عز إعصار التنين ووباء كورونا، لم يمكنك أن تجد مكانًا لقدم في مقاهى جسر السويس، التي يجترون فيها مشاكلهم المادية الضاغطة.
يرى البعض أنها بصقهٌ في وجه العالم المتغطرس، سألت سايس جراج عن رأيه فيما يحدث حول العالم، فغر فاهه دهشة وقال (ظاطت، باضت، كلها زى بعضها)، ثم عاود نومه، وقالت أخرى (الدنيا تلاهى، فيروس إيه وبتاع إيه، إحنا بنعيش اليوم بيومه، بندور على لقمة العيش، غير كده مفيش؟).
السؤال الأهم الآن هو لماذا تلك الحيرة، ولماذا الذعر وعدم اليقين، الذي يؤدى بنا إلى نوبات الهلع، من فيروس كورونا ومن غيره؟ وما هو الحل؟ كيف نوقف هذه الحمى الانفعالية؟ وهذا التدافع المجنون على الصابون وغيره في المحلات العامة؟. في الحقيقة أن هؤلاء قد أوصدوا الباب دونهم، فأصبحوا هُم.. والقلق في غرفة واحدة.. دون أن يفكروا في فتح الباب، والخروج، أو محاولة عقلنة الأشياء لكى يروها في حجمها الصحيح دون مبالغة.
إن المنطق والفهم العاقل يقعان في القشرة المخية من المنطقة الجبهية من المخ التي تتوقف عن العمل في تلك الفترات العصيبة، إذا شغلناها بالتدريب على رؤية جوانب أخرى، مُبهجة، متفائلة، على الرغم من قسوة الأخبار حولنا، فإن هذا التدريب يُضعف من قوة عدم اليقين، والحيرة، والفزع، طبعًا- الكلام سهل- لكن الحقيقة المرة أن القلوق لا ينصت إلى أحد إلاّ لنفسه الحزينة، التي تنتظر أسوأ سيناريو، فمثلاً هو لا يرى، ولا يريد أن يرى، أن الأمور في الصين تحسنت وأصبحت تحت السيطرة، لا هو ينظر إلى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، ويقعد ملومًا محسورًا، ينتظر أن يطرق كورونا باب بيته، أو أن يتسلل من النافذة.
كلما زاد قلقك دخلت إلى دائرة مفرغة من التوتر، دون أي تفكير إيجابى للخروج منها، أنت مرتاح لأنك ملأت البيت بمُطهرات ومناديل ورق وأكل وشرب، لكنك لو لمست وجهك أو أنفك، أو أن يدك بالصدفة جاءت ناحية فمك، لدارت الأفكار كالساقية تغذى أفكارًا أخرى، وأخرى، لتجد أن الأمور قد تضخمت وأصبحت ككرة الثلج الصغيرة التي تسقط لتتدحرج، ولتأخذ في طريقها الأوساخ وكل شىء لا لزمة له، حتى إذا وصلت سفح الجبل صارت ضخمة مثل جمجمتك، التي تضج بكل الاحتمالات الغريبة والعجيبة والبعيدة في نفس الوقت.
حاول أن ترتاح في غرفتك المظلمة. أغلق أي مصدر للأخبار، تمدد على ظهرك، وتنفس في عمق، وركز على كل أعضاء جسمك من رأسك حتى إخمص قدميك، تخيل أنك في «فلوكة» تسبح في نهر النيل، أدرى أنك ربما ستصرخ قائلاً (كفاية.. إحنا في إيه واللا في إيه)، نعم نحن في أن تتحكم في قلقك، وفى نفس الوقت تأخذ حذرك.
لما تعمل Pause لكل ما يدور حولك، فأنت تريح بالك، وتدع تلك الماكينة الحساسة في دماغك تشحن بطاريتها، ومن ثم تستطيع أن تتمشى مبكرًا في الصباح، لتملأ دورتك الدموية بالأوكسجين، ولتنشطها، ولتبتعد رويدًا رويدًا عن مصادر القلق الكثيرة، بإمكانك أن تجعل القطة جملا وبإمكانك- أيضًا- أن تداعب القطة وتصاحبها، لا تطلق لخيالك العنان، ضع ثقتك فيما اتخذته من حيطة وحذر، وفيما تتخذه الحكومة من إجراءات، ولا تعط أذنك لشلة المتشائمين الذين يفرحون جدًا في المصائب ويرون فيها تسلية.
شدّ حيلك لأننا كلنا هنشد حيلنا.