هل هو اضطراب فعلًا، أم أنه سوء استخدام؟.. هناك صورة نمطية لشاب بدين، متيبس أصابع اليدين، يلتهم هامبورجر، تتساقط الصلصة منه على الكيبورد، يده اليمنى مشغولة، واليسرى تلتقط أصابع البطاطس المقلية، وينظر إلى الشاشة بجنون، وإلى الأكل بجنون، بينما يمتد كرشه أمامه.. هذه الصورة الكاريكاتورية موجودة، إن هناك ربطًا سببيًا بين إدمانه وبين أصحابه وحريته وفسحته فى الهواء الطلق.
إنه يقضى وقتًا طويلًا جدًا على الإنترنت، يلعب Games online، تتحول إلى حالة إدمانية تتصاعد بحيث لا تترك الإنسان ليفعل أى شيىء آخر، لأن عوامل المنافسة والرغبة فى الفوز والتشويق والانتظار موجودة بكثافة، لدرجة أن بعض اللاعبين يؤجلون ذهابهم إلى المرحاض؛ فلا يقضون حاجتهم ولا يتبولون عند حاجتهم إلى ذلك، ما يتسبب فى إمساك مزمن وإضرار بالمثانة، إنهم يؤجلون حياتهم من أجل الاستمرار فى اللعب.
إن إدمان الفيديو جيم على الإنترنت وعلى موبايلات الأطفال الذكية مرض نفسى مصنف، تنطبق حالته على ملايين البشر حول العالم.. اصطلحت عليه منظمة الصحة العالمية بأنه Gaming disorder، مما يعنى الاستمرار فى اللعب أونلاين أو دون الإنترنت، وينطبق هذا على الـ Play station أيضًا، لأن كثيرا من ألعابها online.
قُدِّرت نسبة المصابين بحوالى 3-4% من عدد سكان الأرض، وبالطبع من الممكن أن تكون قد زادت بمراحل بعد جائحة كوفيد- 19، لقد صُمِّمت هذه الألعاب لتكون سهلة الإدمان، ويستخدم صانعوها علم النفس السلوكى لكى يظل اللاعب مشدود الأعصاب واليدين والعينين طوال الوقت، إنها حالة تشبه إدمان المخدرات، يحدُث ذلك بطريقة صناعية خبيثة تحرر مادة الدوبامين، هرمون السعادة، ولأنها تعطى اللاعب – خاصةً إذا كان منتصرًا – إشباعًا فوريًا ومتعةً ولذّة لا يفوقها شىء، فيستمر فى اللعب، ويستمر ذلك الإحساس السعيد لأطول مدة، إن هناك حيلًا خبيثة تختبئ داخل كل لعبة، لتسحب أموال اللاعبين بالتدريج، فتتحول معظم تلك الألعاب المعروفة إلى «لعبة قمار».
إن علامات التحذير هى الانشغال أو الانغماس فى الألعاب، وإذا توقف ذلك، بدأت أعراض الانسحاب فى الظهور.. مثل التوتر والقلق والملل والاشتياق والحزن، أما القدرة على تحمل اللعب لساعات طوال فتزيد مع الوقت، وبدلًا من أن تكون لعبة واحدة، تُصبح أكثر من لعبة، مما يؤدى إلى فقدان السيطرة، ومن ثمَّ تستمر اللعبة ويستمر اللاعب فى ليّ ذراع أفراد أسرته، لأنه يفقد بوصلة حياته، وبالتالى يضيع الهدف وتُفقد العلاقات الإنسانية القوية.
المسألة ليست مجرد إدمان لعبة على الإنترنت.. لا.. إنها مسألة تدمير حياة، حرمان من النوم، وتخدير مستمر، وربما شرب سوائل الطاقة المليئة بالكافيين والسكر مما يؤدى إلى سوء تغذية، وإلى حالة جفاف عند البعض.
أحيانًا ما تكون الحالة شديدة، لدرجة أن بعض اللاعبين يشكو من رُهاب الخلاء، فلا يخرج إلى الأماكن المفتوحة، كما أن بعضهم يتوحد مع الـHikikomori.. إنهم هؤلاء المراهقون من الشباب الذين ينسحبون من المجتمع إلى عالمهم الداخلى على ألعاب الإنترنت، إنهم مزاجيون ومتقلبو الهوى، وقد يكونون عدوانيين بدنيًا، يرفضون الذهاب إلى المدرسة أو العمل، ومن الممكن أن يكونوا مصابين باضطراب نفسى، مثل: فرط الحركة، وتشتت الانتباه، والاكتئاب.
إنه إدمان مزمن يجب أن نعامله بكل حرص وقوة، ولا نهمله أبدًا، خاصةً فى الأطفال.
أما عن كيفية العلاج، فهناك العلاج الذاتى من خلال مئات الفيديوهات على اليوتيوب، لكن الأهم أن يقرر المدمن وأن يعزِم وأن يبدأ، وأن يلتقى أى أشخاص تعافوا من هذه المشكلة، كما أن هناك طرقًا كثيرة يقوم بها المعالجون واختصاصيو الطب النفسى.
د.خليل فاضل في صحيفة المصري اليوم